أن التعامل مع ظاهرة العزوف السياسي التي يعيش فيها أغلب المواطنين المصريين، وتجلت في بعدهم وانصرافهم عن كافة أنماط وممارسات المشاركة السياسية المؤسسية أو التقليدية مثل التصويت والترشيح في الانتخابات، وعضوية الاحزاب السياسية، والتطوع في منظمات المجتمع المدني وغيرها، تفرض علينا ضرورة الوقوف علي مسبباتها الحقيقية في مختلف جوانبها، وبلورة مجموعة من الجهود والإجراءات السريعة والفعلية التي تهدف إلي إعادة ثقة المواطن في النظام السياسي، والتي تعد من أهم القيم الرئيسية البناءة في توسيع نطاق المشاركة السياسية وتكريس القيم الديمقراطية بين المواطنين، فبدون الثقة السياسية يصعب حل أزمة المشاركة نتيجة شعور عدد كبير من الجماهير بأن أداء الحكومة مرفوض وغير مقبول، بسبب خرق السلطة السياسية الدائم للمعايير السياسية المقبولة جماهيرياً، مما يؤدي إلي انتشار حالة التقييم السلبي لأنماط وممارسات المشاركة السياسية التقليدية من قبل المواطنين الذين يرون تناقضاً واضحاً بين الواقع والمأمول، ويشعرون بعدم قدرة هذه الآليات علي القيام بعمليات التغيير والإصلاح السياسي، خاصة في ظل سيطرة الحزب الحاكم علي نتائج الفعل السياسي لأغلبها بما يضمن بقائه واستمراره في السلطة.
فمعظم المواطنين قد انصرفوا عن قنوات المشاركة التقليدية للمشاركة نتيجة غياب وضعف فاعليتها، بينما لجأ البعض الآخر منهم إلي قنوات المشاركة غير التقليدية أوالاحتجاجية مثل تكوين الكيانات الموازية أو البديلة، والانخراط في أعمال الاحتجاج والمظاهرات، وإنشاء المدونات السياسية المعارضة لنظام الحكم، بالنظر إلي طبيعة وحجم الإمكانات التي تزخر بها هذه الآليات والوسائل من حيث إتاحة الفرصة أمامهم لإبراز قدراتهم وإمكاناتهم ومؤهلاتهم الذاتية دون وصاية أو قيود أو استغلال، وذلك بهدف توصيل مطالبهم والتأثير في السياسات والقرارت الحكومية، والمشكلة أن ظاهرة اللجوء إلي الأنماط والممارسات غير التقليدية للمشاركة السياسية، يمكن أن تتسع لتصل إلي الانخراط في أعمال العنف والمشاركة غير المشروعة، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلي خلق بيئة ملائمة لانتشار الفكر المتطرف، ويساعد علي تمكين التنظيمات والحركات الراديكالية والمتشددة من استقطاب مزيد من المواطنين في صفوفها.
أن انتشار ظاهرة الانصراف عن التصويت في الانتخابات العامة من جانب غالبية المواطنين المصريين يشكل في واقع الأمر لحظة زاخرة بالدلالات والدورس الكفلية بتأهيل المجتمع السياسي وتطويره، وبخاصة إذا ما تعاملنا مع المؤسسة الانتخابية باعتبارها تشكل فرصة للوقوف علي طبيعة التطور السياسي في المجتمع، وهكذا يؤكد هذا الفعل أن كافة شعارات وبرامج الإصلاح السياسي والتطور الديمقراطي المزعوم ما هي إلا مجرد أعمال تجميلية أو شكلية تقتصر علي المظهر فقط دون المضمون، وأن الخطوات التي اتخذت منها مازالت قاصرة عن تلبية أي استحقاقات ديمقراطية للفئات المهمشة سياسياً، بمعني آخر يمكن القول الخطوات والإجراءات الرئيسية التي تحقق الإصلاح والتحول الديمقراطي لم يتخذ الأهم منها بعد.
فالعزوف السياسي بهذا المنطق هو رسالة واعية من جانب المواطنين، تتطلب في المقام الأول ضرورة العمل علي استعادة ثقة المواطن في العملية السياسية بشكل عام وفي المؤسسة الانتخابية علي وجه الخصوص، بحيث يشعر المواطن بأن صوته الانتخابي له قيمة، وبأن الأحزاب والقوي السياسية قادرة علي أن تعبر عنه وتوصل مطالبه من خلالها، وأن العملية الانتخابية تستند برمتها إلي قيم ومبادئ ومعايير الانتخابات الحرة والنزيهة والتعددية والعادلة، وهناك العديد من الوسائل والآليات التي يمكنها العمل في سبيل تحقيق درجة مرتفعة من النزاهة في الانتخابات العامة، والتي من أهمها ضرورة العمل علي تطوير وتعديل الإطار القانوني المنظم للعملية الانتخابية بما يضمن إعادة ترسيم الدوائر الانتخابية، وتنقية الجدوال الانتخابية، ويساعد علي توفير معايير وضمانات المساواة في قوة الصوت بين جميع المواطنين، ويحافظ علي سرية عملية الاقتراع، ويتحقق من حصول جميع المشاركين في العملية الانتخابية علي كافة حقوقهم وحرياتهم السياسية خلال كل مرحلة من مراحل الانتخابات، بالإضافة إلي ضرورة إخضاع الإدارة الانتخابية وموظفيها ومختلف المشاركين فيها بأية صفة كانت إلي المحاسبة.
وهذا لم يحدث إلا في إطار عملية إصلاح سياسي جاد وحقيقي من ناحية، والتحرك بجدية ومسئولية من جانب السلطة السياسية لمعالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الحادة والمزمنة التي يعاني أغلب المجتمع المصري منها مثل البطالة والإسكان وغيرها، فالمواطن الذي يعتبر شغله الشاغل هو كيفية تدبير احتياجاته الأساسية وقوت يومه له ولأسرته، لا يُنتظر منه أن يقبل علي المشاركة في الحياة السياسية.
* نُشرت هذه المقالة في جريدة دنيا الرأي الإلكترونية، الجمعة 7 مايو 2010:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق