المؤلف: معتز بالله عبد الفتاح
الناشر: دار الشروق
تاريخ النشر: الطبعة الأولي 2008
عدد الصفحات: 304
ربما كانت أهمية كتاب "المسلمون والديمقراطية: دراسة ميدانية" لمؤلفه الدكتور معتز بالله عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعتي القاهرة ووسط متشيجان الأمريكية، أنه قدم إلي الساحة الإكاديمية والفكرية بحثًًا علميًا رفيع المستوي حاول الإجابة من خلاله علي مجموعة من التساؤلات الكبري المرتبطة بالواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي المعيش في الدول الإسلامية، ومرتبطة بطبيعة الجدل الدائر والمستمر حول توجهات المسلمين تجاه قيم ومؤسسات نظام الحكم الديمقراطي. فالكتاب – كما يوضح مؤلفه- ليس كتابًا عن الإسلام العظيم، ولا عن نبيه الكريم، ولا عن النصوص وماحملت والتأويلات وما جمعت، وإنما هو كتاب عن المسلمين، وكيفية تعاملهم مع الديمقراطية وبدائلها قبولاً أو رفضاً. فهو عبارة عن دراسة علمية جادة ومتعمقة حاولت الإجابة عن السؤال الرئيسي التالى: هل هناك عداء حقيقى بين المسلمين والقيم الديمقراطية؟ وإذا كانت الإجابة بالنفي، فلماذا لا تناضل الشعوب الإسلامية من أجل الديمقراطية على نحو ما رأينا فى رومانيا وأوكرانيا وجورجيا وتشيلى وجنوب إفريقيا وفنزويلا وغيرها ؟! وذلك من خلال إجراء دراسة إمبريقية اعتمدت بشكل رئيسي علي تحليل نتائج استطلاعات الرأي والمناقشات المتعمقة لآلاف من المسلمين المتعلمين في 32 دولة إسلامية، بالإضافة إلي الأقليات المسلمة في الولايات المتحدة وأوروبا والهند، لاختبار موقفهم تجاه قيم ومؤسسات الحكم الديمقراطي.
وقد بدأ الباحث دراسته بوضع تعريفًا إجرائيًا لمفهوم الديمقراطية تضمن مؤشرات ستة، هي: حق التصويت للجميع بغض النظر عن النوع والعرق والدين، وحق المنافسة المكفول لكل القوي السياسية التي تحترم قواعد اللعبة الديمقراطية، واحترام الحقوق المدنية، وتعدد مراكز صنع القرار بما يتضمنه هذا من مساءلة ومسئوليات متوازنة، وقبول كافة القوى السياسية لقواعد اللعبة الديمقراطية، وأن تكون أصوات الناخبين هي المصدر الوحيد للشرعية، ثم حدد أنماطاً خمسة للتحول الديمقراطي، وهي: التحول في أعقاب ثورات اجتماعية كبري كما في بريطانيا وأميركا ورومانيا وجورجيا وأوكرانيا، والتحول الديمقراطي تحت سلطة الاحتلال أو بالتعاون معه كما حدث في الهند تحت الاحتلال البريطاني واليابان تحت الاحتلال الأميركي والعراق اليوم تحت الاحتلال الأميركي، والتحول الديمقراطي تحت إدارة نخب ديمقراطية مستنيرة كما في البرازيل بدءا من عام 1973 وإسبانيا بدءًا من عام 1976 وتايوان بدءًا من عام 1986 والمجر بدءًا من عام 1989، والانفتاح السياسي التكتيكي الذي يفضي إلى مطالب ديمقراطية غير متوقعة كما في حالة جورباتشوف وكوريا الجنوبية عام 1987 وجنوب أفريقيا عام 1990، وأخيراً تعاقد النخبة المستبدة علي الانسحاب من الحياة السياسية بعد ارتفاع تكلفة القمع مثلما حدث في اليونان عام 1973 وفي البرتغال عام 1974 وفي بيرو عام 1977 وفي الأرجنتين عام 1982.
وقد تناولت هذه الدراسة مواقف قادة الرأى العام والمفكرين المسلمين تجاه قضايا السياسة والحكم في المجتمعات موضع الدراسة، واستند المؤلف في هذه الجزئية علي إجراء مقابلات شخصية مع قادة الرأى وتحليل الخطاب المكتوب والمسموع لعدد من هؤلاء المفكرين، وقسّم توجهات النخب الإسلامية نحو الديمقراطية إلى قسمين هما "الإسلاميون التقليديون" و"الإسلاميون التحديثيون"، وكذلك قسّم توجهات النخب العلمانية نحو الديمقراطية إلى قسمين أيضاً هما "العلمانيون السلطويون" و"العلمانيون التعدديون الليبراليون"، وقد أعطت البيانات والمعلومات المجمعة ترجيحاً معقولاً لادعاء الإسلاميين بأن لهم قواعد شعبية واسعة في معظم المجتمعات المسلمة، وأن العلمانيون لا يشكلون الأغلبية إلا في ستة مجتمعات فقط، هي: طاجيكستان(58 بالمائة)، وتركمنستان(48 بالمائة)، ومالي(48 بالمائة)، وتونس(58 بالمائة)، وألبانيا(63 بالمائة)، وتركيا(68 بالمائة). كما أكد المؤلف أن هناك تأثيراً واضحًا لما يتبناه قادة الرأي العام في المجتمعات المسلمة علي توجهات عامة المسلمين، الذين لا يختارون مواقفهم السياسية بصورة عشوائية، بل يعتمدون علي قادة الرأي ليفهموا العالم الذي يعيشون فيه ومن ثم يستجيبون للتحديات التي تواجههم.
كما حاولت الدراسة أن تبحث في تأثير مجموعة من العوامل الديموجرافية والاجتماعية مثل الدخل والتعليم والسن والجنس والتدين علي توجهات المسلمين نحو الديمقراطية سواء على مستوي المبادئ مثل التسامح مع النساء والأقليات، أو علي مستوي المؤسسات مثل ممارسة التصويت في الانتخابات العامة وقبول وجود برلمان منتخب وأحزاب سياسية. وقد أكد أسلوب التحليل الإحصائي المستخدم أن الأشخاص الأغني يكونوا أكثر تسامحًا مع الحقوق السياسية للنساء والأقليات في معظم المجتمعات موضع الدراسة، باستثناء الكويت ونيجيريا اللتين كان أغنياؤهما أقل تأييداً للمبادئ الديمقراطية. وعلي مستوي المؤسسات، فقد أكد الباحث أن الدخول المرتفعة تؤدى إلي تأييداً أكبر للمؤسسات الديمقراطية، بيد أن حالات مثل الأردن وعمان والسعودية والبحرين قد أعطت نتائج عكسية، لأنها شكلت مثالاً واضحاً لما أطلق عليه المؤلف اسم "بيروقراطيات البقشيش" التي يتلقي المواطن فيها بقشيش الدول مباشرة أو عن طريق غير مباشر. وبدا أن للتعليم تأثيراً إيجابياً واضحاً علي توجهات المبحوثين تجاه المبادئ والمؤسسات الديمقراطية في غالبية حالات المجتمعات موضع الدراسة ما عدا حالتي السعودية والإمارات اللتين كان للتعليم فيهما تأثيراً سلبياً على التوجهات نحو قيم الديمقراطية ومؤسساتها.
ومن ناحية أخري، فقد أشارت الدراسة إلي وجود تأثيراً إيجابياً للعمر علي دعم المبادئ الديمقراطية في كل من الهند والكويت ولبنان وباكستان والسعودية وطاجيكستان وتونس والإمارات، بينما لم يكن هناك تأثير واضح لعمر المبحوثين علي توجهاتهم نحو المؤسسات الديمقراطية في ثلثي الدول التي تم دراستها، بيد أن المسلمون الأكبر سنا في جامبيا وإندونيسيا والكويت ومالي ونيجيريا وتونس كانوا أكثر تأييدًا للمؤسسات الديمقراطية من المسلمين الأصغر في هذه الدول. أما علي مستوي النوع، فقد أظهرت المناقشات المتعمقة أن أكثر النساء علمانية يرفضن بشكل واضح الربط بين تواضع الدور الذي تلعبه النساء المسلمات في الحياة العامة بالشريعة، وأن المرأة المسلمة من الممكن أن تكون حرة بطريقة إسلامية دون اتباع طريق المرأة الغربية أو المرأة المضطرة للحجاب كما في أفغانستان. وفيما يتعلق بتأثير التدين علي توجهات المبحوثين نحو قيم ومؤسسات الديمقراطية، فقد أظهرت الدراسة أن الأشخاص الأكثر تمسكاً بمظاهر التدين يكونوا أقل تأييداً للمبادئ الديمقراطية بين مسلمي البحرين وبنجلاديش وأوروبا وجامبيا والهند وإندونيسيا والأردن والكويت ونيجيريا وعمان وباكستان وقطر والسعودية وتركمنستان والإمارات واليمن، وكذا فإن المسلمون الذين أوضحوا أنهم أكثر التزماً بالشعائر الدينية في كل في أوروبا وإندونيسيا ولبنان وماليزيا والمغرب وعمان وقطر والسنغال والسودان وتركيا كانوا أقل تأييدًا للمؤسسات الديمقراطية، بيد أنه لم توجد علاقة أصلية بين التدين ومساندة المؤسسات الديمقراطية في باقي الدول موضع الدراسة.
كما حاول الباحث أن يتناول أدوار ثلاثة من أهم الفاعلين السياسيين الذين يعتقد المبحوثون أنهم إما مسئولون عن استمرار التسلط أو مهمون من أجل العبور نحو الديمقراطية، وهم: الحكام والغرب وعلماء الدين. وقد أكدت الأرقام أن 20 بالمائة فقط من المسلمين مؤيدون للحكام الحاليين، بما يعني أن معظم حكومات المسلمين تعاني من أزمة شرعية، بيد أن حالات مثل الإمارات وعمان كانت الأعلي في الدعم الشعبي الذي يحشده مواطنوها للحكام الحاليين في مقابل نظام آخر يعتمد علي الانتخاب الديمقراطي، كما أظهرت نتائج استطلاع الرأي أن المسلمون متشككون جداً من مصداقية توجه الغرب في تشجيع تغييرات ديمقراطية في العالم الإسلامي، حيث أكد 8 بالمائة فقط من المبحوثين أنهم يثقون أن الولايات المتحدة وحلفاءها يساندون فكرة إقامة نظم ديمقراطية في العالم الإسلامي. وبالرغم من ارتفاع ثقة المجيبون علي استطلاع الرأي في الدور الذي يقوم به علماء الدين المستقلين في تشكيل العقل المسلم، إلا أن الباحث قد أستنتج أن محاربة التسلط السياسي لم تكن جزءًا أصيلاً من أولويات الخطاب الديني المعاصر في معظم المجتمات ذات الأغلبية المسلمة.
وقد انتقل المؤلف في أحد أجزاء الدراسة من التحليل علي مستوي الفرد إلي التحليل علي مستوي الدولة لمعرفةكيف ولماذا تتفاوت المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة فيما بينها؟ وأكدت البيانات الإحصائية أن مسلمي تركيا والمغرب ومصر والولايات المتحدة وماليزيا وألبانيا والهند ومالي وتونس وربما الأدرن وإيران يحتلون الدرجة الأعلي في دعم المبادئ الديمقراطية ومؤسساتها، في حين احتل مسلمو السعودية واليمن وطاجيكستان والسودان وربما باكستان ونيجيريا الدرجة الأقل في هذا الشأن، وهو ما أكد علي وجود تفاوتاً واضحاً بين غالبية المجتمعات موضع الدراسة. كما أكد الباحث أن غياب التحول الديمقراطي في العالم العربي يمكن إرجاعه نسبياً إلى عدم الاستعداد للتضحية من أجل الحقوق السياسية. فعلي سبيل المثال، قد وافق 73 بالمائة من المسلمين علي عقد صفقة مع حاكم مستبد يحكم مدي الحياة مقابل تحرير فلسطين، وارتفعت هذه النسبة بين الدول العربية علي وجه الخصوص لتصل إلى 89 بالمائة من العرب.
ثم جاءت خاتمة الدراسة لتنتهي إلي أن كافة معطيات حالة الديمقراطية في العالم العربي، تشير إلي تراجع التسلطية التقليدية ليحل مكانها تسلطية تنافسية علي النمط الروسي، وهو النظام الذي توجد به مؤسسات ديمقراطية قانونية تتراضي أطراف العملية السياسية علي أنها مصدر الشرعية بيد أن النخبة الحاكمة تنتهك هذه المؤسسات حينما تجد نفسها بحاجة لهذا، فالتسلطية التنافسية بحكم التزامها الشكلي بالمؤسسات والإجراءات الديمقراطية، تعطي انطباعاً زائفاً بالديمقراطية ولكنها ليست كذلك، وهي بهذا تضع نفسها في حالة توتر دائم قد يعجل بفنائها إذا نجحت القوى المعارضة والمستقلة عن الحكومة أن تقدم شرعية بديلة.
الناشر: دار الشروق
تاريخ النشر: الطبعة الأولي 2008
عدد الصفحات: 304
ربما كانت أهمية كتاب "المسلمون والديمقراطية: دراسة ميدانية" لمؤلفه الدكتور معتز بالله عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعتي القاهرة ووسط متشيجان الأمريكية، أنه قدم إلي الساحة الإكاديمية والفكرية بحثًًا علميًا رفيع المستوي حاول الإجابة من خلاله علي مجموعة من التساؤلات الكبري المرتبطة بالواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي المعيش في الدول الإسلامية، ومرتبطة بطبيعة الجدل الدائر والمستمر حول توجهات المسلمين تجاه قيم ومؤسسات نظام الحكم الديمقراطي. فالكتاب – كما يوضح مؤلفه- ليس كتابًا عن الإسلام العظيم، ولا عن نبيه الكريم، ولا عن النصوص وماحملت والتأويلات وما جمعت، وإنما هو كتاب عن المسلمين، وكيفية تعاملهم مع الديمقراطية وبدائلها قبولاً أو رفضاً. فهو عبارة عن دراسة علمية جادة ومتعمقة حاولت الإجابة عن السؤال الرئيسي التالى: هل هناك عداء حقيقى بين المسلمين والقيم الديمقراطية؟ وإذا كانت الإجابة بالنفي، فلماذا لا تناضل الشعوب الإسلامية من أجل الديمقراطية على نحو ما رأينا فى رومانيا وأوكرانيا وجورجيا وتشيلى وجنوب إفريقيا وفنزويلا وغيرها ؟! وذلك من خلال إجراء دراسة إمبريقية اعتمدت بشكل رئيسي علي تحليل نتائج استطلاعات الرأي والمناقشات المتعمقة لآلاف من المسلمين المتعلمين في 32 دولة إسلامية، بالإضافة إلي الأقليات المسلمة في الولايات المتحدة وأوروبا والهند، لاختبار موقفهم تجاه قيم ومؤسسات الحكم الديمقراطي.
وقد بدأ الباحث دراسته بوضع تعريفًا إجرائيًا لمفهوم الديمقراطية تضمن مؤشرات ستة، هي: حق التصويت للجميع بغض النظر عن النوع والعرق والدين، وحق المنافسة المكفول لكل القوي السياسية التي تحترم قواعد اللعبة الديمقراطية، واحترام الحقوق المدنية، وتعدد مراكز صنع القرار بما يتضمنه هذا من مساءلة ومسئوليات متوازنة، وقبول كافة القوى السياسية لقواعد اللعبة الديمقراطية، وأن تكون أصوات الناخبين هي المصدر الوحيد للشرعية، ثم حدد أنماطاً خمسة للتحول الديمقراطي، وهي: التحول في أعقاب ثورات اجتماعية كبري كما في بريطانيا وأميركا ورومانيا وجورجيا وأوكرانيا، والتحول الديمقراطي تحت سلطة الاحتلال أو بالتعاون معه كما حدث في الهند تحت الاحتلال البريطاني واليابان تحت الاحتلال الأميركي والعراق اليوم تحت الاحتلال الأميركي، والتحول الديمقراطي تحت إدارة نخب ديمقراطية مستنيرة كما في البرازيل بدءا من عام 1973 وإسبانيا بدءًا من عام 1976 وتايوان بدءًا من عام 1986 والمجر بدءًا من عام 1989، والانفتاح السياسي التكتيكي الذي يفضي إلى مطالب ديمقراطية غير متوقعة كما في حالة جورباتشوف وكوريا الجنوبية عام 1987 وجنوب أفريقيا عام 1990، وأخيراً تعاقد النخبة المستبدة علي الانسحاب من الحياة السياسية بعد ارتفاع تكلفة القمع مثلما حدث في اليونان عام 1973 وفي البرتغال عام 1974 وفي بيرو عام 1977 وفي الأرجنتين عام 1982.
وقد تناولت هذه الدراسة مواقف قادة الرأى العام والمفكرين المسلمين تجاه قضايا السياسة والحكم في المجتمعات موضع الدراسة، واستند المؤلف في هذه الجزئية علي إجراء مقابلات شخصية مع قادة الرأى وتحليل الخطاب المكتوب والمسموع لعدد من هؤلاء المفكرين، وقسّم توجهات النخب الإسلامية نحو الديمقراطية إلى قسمين هما "الإسلاميون التقليديون" و"الإسلاميون التحديثيون"، وكذلك قسّم توجهات النخب العلمانية نحو الديمقراطية إلى قسمين أيضاً هما "العلمانيون السلطويون" و"العلمانيون التعدديون الليبراليون"، وقد أعطت البيانات والمعلومات المجمعة ترجيحاً معقولاً لادعاء الإسلاميين بأن لهم قواعد شعبية واسعة في معظم المجتمعات المسلمة، وأن العلمانيون لا يشكلون الأغلبية إلا في ستة مجتمعات فقط، هي: طاجيكستان(58 بالمائة)، وتركمنستان(48 بالمائة)، ومالي(48 بالمائة)، وتونس(58 بالمائة)، وألبانيا(63 بالمائة)، وتركيا(68 بالمائة). كما أكد المؤلف أن هناك تأثيراً واضحًا لما يتبناه قادة الرأي العام في المجتمعات المسلمة علي توجهات عامة المسلمين، الذين لا يختارون مواقفهم السياسية بصورة عشوائية، بل يعتمدون علي قادة الرأي ليفهموا العالم الذي يعيشون فيه ومن ثم يستجيبون للتحديات التي تواجههم.
كما حاولت الدراسة أن تبحث في تأثير مجموعة من العوامل الديموجرافية والاجتماعية مثل الدخل والتعليم والسن والجنس والتدين علي توجهات المسلمين نحو الديمقراطية سواء على مستوي المبادئ مثل التسامح مع النساء والأقليات، أو علي مستوي المؤسسات مثل ممارسة التصويت في الانتخابات العامة وقبول وجود برلمان منتخب وأحزاب سياسية. وقد أكد أسلوب التحليل الإحصائي المستخدم أن الأشخاص الأغني يكونوا أكثر تسامحًا مع الحقوق السياسية للنساء والأقليات في معظم المجتمعات موضع الدراسة، باستثناء الكويت ونيجيريا اللتين كان أغنياؤهما أقل تأييداً للمبادئ الديمقراطية. وعلي مستوي المؤسسات، فقد أكد الباحث أن الدخول المرتفعة تؤدى إلي تأييداً أكبر للمؤسسات الديمقراطية، بيد أن حالات مثل الأردن وعمان والسعودية والبحرين قد أعطت نتائج عكسية، لأنها شكلت مثالاً واضحاً لما أطلق عليه المؤلف اسم "بيروقراطيات البقشيش" التي يتلقي المواطن فيها بقشيش الدول مباشرة أو عن طريق غير مباشر. وبدا أن للتعليم تأثيراً إيجابياً واضحاً علي توجهات المبحوثين تجاه المبادئ والمؤسسات الديمقراطية في غالبية حالات المجتمعات موضع الدراسة ما عدا حالتي السعودية والإمارات اللتين كان للتعليم فيهما تأثيراً سلبياً على التوجهات نحو قيم الديمقراطية ومؤسساتها.
ومن ناحية أخري، فقد أشارت الدراسة إلي وجود تأثيراً إيجابياً للعمر علي دعم المبادئ الديمقراطية في كل من الهند والكويت ولبنان وباكستان والسعودية وطاجيكستان وتونس والإمارات، بينما لم يكن هناك تأثير واضح لعمر المبحوثين علي توجهاتهم نحو المؤسسات الديمقراطية في ثلثي الدول التي تم دراستها، بيد أن المسلمون الأكبر سنا في جامبيا وإندونيسيا والكويت ومالي ونيجيريا وتونس كانوا أكثر تأييدًا للمؤسسات الديمقراطية من المسلمين الأصغر في هذه الدول. أما علي مستوي النوع، فقد أظهرت المناقشات المتعمقة أن أكثر النساء علمانية يرفضن بشكل واضح الربط بين تواضع الدور الذي تلعبه النساء المسلمات في الحياة العامة بالشريعة، وأن المرأة المسلمة من الممكن أن تكون حرة بطريقة إسلامية دون اتباع طريق المرأة الغربية أو المرأة المضطرة للحجاب كما في أفغانستان. وفيما يتعلق بتأثير التدين علي توجهات المبحوثين نحو قيم ومؤسسات الديمقراطية، فقد أظهرت الدراسة أن الأشخاص الأكثر تمسكاً بمظاهر التدين يكونوا أقل تأييداً للمبادئ الديمقراطية بين مسلمي البحرين وبنجلاديش وأوروبا وجامبيا والهند وإندونيسيا والأردن والكويت ونيجيريا وعمان وباكستان وقطر والسعودية وتركمنستان والإمارات واليمن، وكذا فإن المسلمون الذين أوضحوا أنهم أكثر التزماً بالشعائر الدينية في كل في أوروبا وإندونيسيا ولبنان وماليزيا والمغرب وعمان وقطر والسنغال والسودان وتركيا كانوا أقل تأييدًا للمؤسسات الديمقراطية، بيد أنه لم توجد علاقة أصلية بين التدين ومساندة المؤسسات الديمقراطية في باقي الدول موضع الدراسة.
كما حاول الباحث أن يتناول أدوار ثلاثة من أهم الفاعلين السياسيين الذين يعتقد المبحوثون أنهم إما مسئولون عن استمرار التسلط أو مهمون من أجل العبور نحو الديمقراطية، وهم: الحكام والغرب وعلماء الدين. وقد أكدت الأرقام أن 20 بالمائة فقط من المسلمين مؤيدون للحكام الحاليين، بما يعني أن معظم حكومات المسلمين تعاني من أزمة شرعية، بيد أن حالات مثل الإمارات وعمان كانت الأعلي في الدعم الشعبي الذي يحشده مواطنوها للحكام الحاليين في مقابل نظام آخر يعتمد علي الانتخاب الديمقراطي، كما أظهرت نتائج استطلاع الرأي أن المسلمون متشككون جداً من مصداقية توجه الغرب في تشجيع تغييرات ديمقراطية في العالم الإسلامي، حيث أكد 8 بالمائة فقط من المبحوثين أنهم يثقون أن الولايات المتحدة وحلفاءها يساندون فكرة إقامة نظم ديمقراطية في العالم الإسلامي. وبالرغم من ارتفاع ثقة المجيبون علي استطلاع الرأي في الدور الذي يقوم به علماء الدين المستقلين في تشكيل العقل المسلم، إلا أن الباحث قد أستنتج أن محاربة التسلط السياسي لم تكن جزءًا أصيلاً من أولويات الخطاب الديني المعاصر في معظم المجتمات ذات الأغلبية المسلمة.
وقد انتقل المؤلف في أحد أجزاء الدراسة من التحليل علي مستوي الفرد إلي التحليل علي مستوي الدولة لمعرفةكيف ولماذا تتفاوت المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة فيما بينها؟ وأكدت البيانات الإحصائية أن مسلمي تركيا والمغرب ومصر والولايات المتحدة وماليزيا وألبانيا والهند ومالي وتونس وربما الأدرن وإيران يحتلون الدرجة الأعلي في دعم المبادئ الديمقراطية ومؤسساتها، في حين احتل مسلمو السعودية واليمن وطاجيكستان والسودان وربما باكستان ونيجيريا الدرجة الأقل في هذا الشأن، وهو ما أكد علي وجود تفاوتاً واضحاً بين غالبية المجتمعات موضع الدراسة. كما أكد الباحث أن غياب التحول الديمقراطي في العالم العربي يمكن إرجاعه نسبياً إلى عدم الاستعداد للتضحية من أجل الحقوق السياسية. فعلي سبيل المثال، قد وافق 73 بالمائة من المسلمين علي عقد صفقة مع حاكم مستبد يحكم مدي الحياة مقابل تحرير فلسطين، وارتفعت هذه النسبة بين الدول العربية علي وجه الخصوص لتصل إلى 89 بالمائة من العرب.
ثم جاءت خاتمة الدراسة لتنتهي إلي أن كافة معطيات حالة الديمقراطية في العالم العربي، تشير إلي تراجع التسلطية التقليدية ليحل مكانها تسلطية تنافسية علي النمط الروسي، وهو النظام الذي توجد به مؤسسات ديمقراطية قانونية تتراضي أطراف العملية السياسية علي أنها مصدر الشرعية بيد أن النخبة الحاكمة تنتهك هذه المؤسسات حينما تجد نفسها بحاجة لهذا، فالتسلطية التنافسية بحكم التزامها الشكلي بالمؤسسات والإجراءات الديمقراطية، تعطي انطباعاً زائفاً بالديمقراطية ولكنها ليست كذلك، وهي بهذا تضع نفسها في حالة توتر دائم قد يعجل بفنائها إذا نجحت القوى المعارضة والمستقلة عن الحكومة أن تقدم شرعية بديلة.
تم نشر هذا العرض في: مجلة الديمقراطية، السنة التاسعة/ العدد 34، أبريل 2009.
Wishes for a good blog journey, I encourage you to photoblog http://photosphera01.spaces.live.com
ردحذفGreetings from Italy
Marlow